الخميس، 15 نوفمبر 2012

مراجعات في كتاب السيد محمد علي العجيمي البديري


كتاب جواهر الاصول في ذكر اهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم
للشيخ محمد علي العجيمي 
تحقيق المهندس محمد عثمان العبدلابي 7\4\2010م

لقد قسم المؤلف كتابه لعدة فصول تناولت فضائل آل البيت، و خصوصاً العباس بن عبد المطلب، و ذراريه، و مآثر خلفاء بني العباس، و علم الأنساب و ضوابطه، و قد أفرد فصولاً لمواضيع أخرى، أهمها:
• فصل في دخول الصحابة السودان.
• فصل في نذر من فضيلة أبنائه الكرام، السادة الأعلام.
• فصل في دخولهم السودان، و زمان مملكتهم به.
• فصل في عدد خلفائهم وبيان أدوارهم بدفار دنقلا بالسودان.

و سنتناول مجمل تلك الفصول بالبحث و التحقيق، ففيها ما فيها من غث و سمين، و إن كان مجمل رواية الكتاب يصل الجعليين ببني العباس، إلا أن الرواية التي يكتنفها الكتاب، تختلف في أمور تاريخية عديدة، عما هو معروف و متداول لدى نسابة الجعليين و مؤرخيهم، و غيرهم ممن أرخ لهم، و لا بأس بمقارنة تلك الروايات مع بعضها البعض لنبين ما لكل رواية و ما عليها.

و لا بد لنا أن نشير أن الكتاب المذكور هو حصيلة اجتهاد ضمن اجتهادات أخرى لآخرين وثقوا ما وصل إليهم من أخبار و روايات، فمنهم من أخطأ، و منهم من أصاب.
غفر الله لهم جميعاً و أثابهم الحسنى برحمته تعالى.

يقول السيد العجيمي في مصادر كتابه:


"فقد تطلبت كتب النسب الجامعة لجعل مدينة الدفار، و قبائلهم، فظفرت بعون الله تعالى بأنساب عديدة، منها ما حررها أجدادنا العباسية بالبلد الحرام، و منها ما حررها خلفهم بمدينة الدفار، فاجتنيت منها عدد خلفائهم و نذراً من صالح سيرتهم، و سنين مملكتهم، و اغترفت جملاً من مستندات تواريخها القاضية لأهل هذا النسب الهاشمي الشريف، عالي القدر المنيف، بالقرابة المحمدية، التي كان لهم بها جداً، صلى الله عليه و سلم، من هذه الحيثية، و الله الهادي بفضله إلى صراطه المستقيم."

ا.هـ.
و نشير إلى أن الدفار هي العاصمة التاريخية لبديرية الشمال، و تقع في منطقة دنقلا، فقد كانت عاصمة لمملكة الدفار ردحاً من الزمان قبل أن يغزوها الملك جاويش الأول الشايقي و يخربها و يذرها قاعاً صفصفاً.

يقول السيد العجيمي في فصل "دخول الصحابة السودان":


"اعلم أنه قد نقل بعض المؤرخين كلاماً من مستندات التواريخ كالشيخ الفاتح و الإمام الثابوري و غيرهما في دخول الصحابة السودان، و ذلك في ابتداء الفتح الإسلامي في خلافة سيدنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب و ولاية عمرو بن العاص لمصر في سنة واحد و عشرين...(إلى قوله)...

و قد مكث ابن أبي سرحة (-كاتب الموضوع-: و الصحيح ابن أبي السرح) و أصحابه بالسودان زمناً طويلاً حتى تلاشى أمر النوبة و انكسرت شوكة ملكهم و تفرقوا في الجهات شيئاً فشيئاً.
و استمرت ولاية العرب فيه إلى أن ابتدأت دولة العباسيين به بخلافة سيدنا أحمد الحجازي بن السيد إبراهيم جعل بن السيد سعد بن السيد الفضل بن حبر الأمة السيد عبد الله بن عباس في سنة واحد و سبعين بعد الماية كما هو آت في الفصل الأخير إن شاء الله تعالى. و هو المستعان."
ا.هـ.

الملاحظة الأولى التي نستطيع ملاحظتها أن المؤلف قد اختصر عمود نسب أحمد الحجازي بن إبراهيم جعل كثيراً، فالموثق لدى الجعليين أن إبراهيم جعل ليس ابناً لسعد بن الفضل مباشرة، بل هو ابن إدريس بن قيس بن يمن بن عدي بن قصاص بن كرب بن محمد الهاطل بن أحمد الياطل بن محمد ذي الكلاع بن سعد بن الفضل العباسي الهاشمي، لذا فإن عمود النسب بالكتاب قد اختصر تسعة (9) أسماء، و هذا يخل كثيراً بعدد و تسلسل الأجيال إلى وقتنا الحاضر. إلا إذا أراد المؤلف توليف العمود مع الفترة التاريخية التي تعرض لها، إذ أنه أشار إلى أن السيد أحمد الحجازي قد أقام دولة للعباسيين بأرض النوبة سنة واحد و سبعين بعد المائة من الهجرة (171هـ)، و بالنظر لعمود النسب الذي ذكره المؤلف فهو 6 أسماء لسيدنا العباس بن عبد المطلب –رضي الله عنه-، و قد كان الخليفة العباسي آنذاك هارون الرشيد بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس –رضي الله عنهم-، و هذه السلسلة بها 7 أسماء، فمن هذه الناحية يكون العمود متوافقاً مع عمود نسب الخليفة في عدد الأجيال، و لكن به عيباً آخر و هو أنه لا يوجد لعبد الله بن عباس ذرية من غير ولده علي، و هذا محل اتفاق و إجماع بين مختلف النسابين كابن حزم، و مصعب الزبيري، و البلاذري، و مرتضى الزبيدي، و غيرهم، بالإضافة لما ذكرناه من شذوذ هذا العمود بمقارنته للعمود المشهور لإبراهيم الجعلي بن إدريس بن قيس.


أمر آخر يقدح بصحة الرواية المذكورة، أنه لم تقم دولة عربية إسلامية في بلاد النوبة في ذلك الوقت المبكر جداً ناهيك أن تكون عباسية، في ظل خلافة عباسية شهدت في تلك الفترة أوج أبهتها و هيبتها في عهد الخليفة هارون الرشيد، فلا يمكن لنا القبول عقلاً أو نقلاً بوجود مثل ذلك الكيان العباسي ببلاد النوبة في القرن الثاني للهجرة. و لعل أولى الدول بالنوبة هي دولة بني كنز الدولة و هؤلاء من ربيعة العدنانية، و قد نشأت تلك الدولة بأرض النوبة في عهد الفاطميين –العبيديين-، ثم توالت نشأة الدويلات و الإمارات العربية بأرض النوبة و البجا، و لم يشهد التاريخ في تلك المرحلة المبكرة وجوداً عباسياً في تلك البلاد.



و قد ذكر السيد العجيمي في فصل عدد أبناء العباس بن عبد المطلب:


"فمن ذريته –أي علي بن عبد الله بن عباس- العبابسة الذين هم خلفاء بغداد، و من ذرية السيد عبيد الله –ابن عبد الله- الهلاليون أين كانوا، و من ذرية السيد الفضل الجعليون خلفاء الدفار بدنقلة حيث كانوا من بديرية و شايقية و جعليين، و إن العباسية الذين هم بدار السودان كلهم من ذريته".


و أضاف أيضاً:


"قال صاحب اللامية في أبوة السيد الفضل لعباسية السودان:

و هو إلى كل العبابسة الذين *** هم بذي السودان أب و أهل
و من ذا فخير الرسل جدهم بلا *** ريب فشاهد لن ترى من فاصل
فإخاء جدك حيث كان فهاهما *** في استواء عند كل قبائل"

و قد قمت بالرد سابقاً على المعلومة الواردة في هذه الفقرة فكان الرد:



الحقيقة أني لم أعرف من هم الهلاليون المقصودون هنا، إلا قبل فترة وجيزة علمت أن منهم ملوك الفور، و يبدو أنه و لهذا السبب نسب ملوك الفور من ذرية سليمان سولونق إلى بني العباس في رواية، و في رواية أخرى لبني هلال، و هما أصلان لا يلتقيان إلا في مضر بن معد بن عدنان، إذ أن بني هلال هم بنو هلال بن عامر بن صعصعة بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

بينما بنو العباس هم من بني هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤَي بن غالب بن فِهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خُزيمة بن مُدركة بن إلياس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان...

بالإضافة لذلك لم أستطع تبين أي وجود لذرية عبيد الله بن العباس، فيكون ملوك الفور من بني هلال، هذا على الأقل برأي الشخصي و بعد تفحصي لتاريخ السلالة الحاكمة هناك و ما يذكرونه من أن سفيان المعقور، والد سليمان سولونق قد أتى من تونس الخضراء، و تونس كانت مرتعاً لقبائل بني هلال بعد ما يعرف تاريخياً بالتغريبة الهلالية زمن الدولة الفاطمية -العبيدية-.


أما الخلفاء العباسيون، فجميعهم من نسل الخليفة أبي جعفر المنصور، و هو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس.

و الجعليون هم من ذرية أخيه -أي أخي أبي جعفر-، و هو الأمير العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، و من ابنه الفضل بن العباس بن محمد... و لعله من هنا حدث خلط لدى بعض النساخ، فظنوا أن الفضل بن العباس بن محمد هو الفضل بن العباس بن عبد المطلب، و هذا ما ولد اللبس لدى بعض النساخ و الناقلين لعمود النسب...
و المعلوم أن البقية من ولد عبد الله بن عباس بن عبد المطلب في ولده علي (راجع جمهرة أنساب العرب لابن حزم). و لا يوجد ذكر لذرية باقية لأحد من أولاد عبد الله بن عباس من غير ولده علي، فيكون علي جد الجعليين و الخلفاء و ذراريهم على سواء... و جميع من عرف من العباسيين في زماننا هذا فهم ينتسبون لعلي بن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهم.



و الملاحظ أن السيد العجيمي قد اعتمد على كتاب لم نجد له أثراً حتى الساعة، و لا يزال البحث جارياً عنه، و هو كتاب الصحايح التاريخية من العهود الدفارية، لمؤلفه الإمام النشري، و الذي لا نعلم له ترجمة هو الآخر. و يبدو أن هذا المصدر كان أهم المصادر التي اعتمد عليها السيد العجيمي و أكثرها تفصيلاً، و قد تخصص في تاريخ مملكة الدفار البديرية العباسية، و ننقل إليكم شيئاً مما جاء بكتاب السيد العجيمي نقلاً عن كتاب الإمام النشري المذكور:


"اعلم أنه قد ذكر الإمام النشري في الصحايح التاريخية، من العهود الدفارية، فكان دخولهم فيه بحوض النيل من الجهة الشمالية، و ذلك في عهد خلافة أمير المؤمنين السيد المهدي بن السيد أبا جعفر المنصور ببغداد، فهنالك هاجرت جماعة بأمره و إذنه إلى دنقلا، و الذي صح أن دخولهم كان في سنة ثلاثة و ستين بعد المائة لكي يجدوا محلاً يسكنون فيه، حتى أتوا إلى بلدة يقال لها الدفار، فوجدوها متسعة قابلة للسكنى، مملوءة بقش الدفرة، لذلك سميت باسمها، ثم سكنوها و عمروها عمارة كاملة، و قد شاع خبرهم، و غير بعيد توافدت عليهم بعض أهليهم، و على ما صح أن توافدهم كان من طريق البحر الأحمر في النزول الأخير، و بعد أزمان استمرت السكنة إلى بلدة يقال لها أبكر، و اتصلت عماراتهما إلى أن كان البلدتان مدينة واحدة، شاهقة عظيمة، حتى أحدثوا فيها خمسة عشر جامعاً، كما نقل لنا من الصحايح التاريخية. و مما يدل على ذلك أن قبورهم في البلدتين و آثارهم مشهودة الآن، كقبر سيدي السيد محمد دهمش، و قبر ابنه السيد علي العجمي، فإنهما الآن يزاران و غير خفيين بالمعرفة التامة عند أهل البلدة، و يذكرون أنهم يرون عليهما في بعض الليالي لوايح الأنوار. ثم بعد نزول سيدي أحمد الحجازي رضي الله تعالى عنه، في عهد خلافة أمير المؤمنين سيدنا هارون الرشيد ببغداد سنة ماية و سبعين و دخوله بمدينة الدفار دنقلا قد قامت به دولتهم، و استمرت ولايتهم به عدلاً و صلاً إلى أن بلغت من السنين سبعماية و عشرة سنين، و ذلك من عهد السيد أحمد الحجازي المذكور إلى عهد الملك موسى الأصغر و إلى ولي عهده و خليفة محله ابنه الأكبر السيد حماد الملقب بضريس، كما هو آت. و الله المستعان و الهادي بفضله إلى سواء السبيل."


و ملاحظتنا في الفقرة المقتبسة أن المؤلف أشار إلى هجرة –ربما عباسية- تمت في عهد الخليفة العباسي محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور (127-169هـ) في سنة 163هـ، و السبب كما يذكر المؤلف كان معيشياً، و هذا غريب أن نجد أن من بني العباس أصحاب الخلافة من آثروا الهجرة و المكوث في أرض غريبة لم يمتد بعد إليها سلطان الدولة، و هذا مما يضعف صحة الرواية كما ذكرنا آنفاً، بالإضافة أن المصادر العربية القديمة لم تحدثنا بمثل تلك الهجرة.

إلا أنه يحضرني أني اطلعت على رواية فريدة من نوعها، وجدتها بأحد كتب التاريخ -لا يحضرني اسمه، و تذكر تلك الرواية أن الخليفة العباسي هارون الرشيد، أو المأمون بن هارون الرشيد، قد عقد صلحاً مع أحد ملوك النوبة، و أرسل إليه نفراً من علماء بني العباس، و لا أذكر مصدر تلك الرواية، إلا أني سأحاول إيجادها و وضعها هنا إن وجدتها بعون الله.
و هذا يذكرني برواية أخبرني بها الأستاذ علي الطيب العباسي من عبابسة ود العباس شمالي سنار، إذ ذكر لي أن المعتمد لديه، و ذلك نقلاً عن أبيه و غيره، أن جد العبابسة و هو شرف الدين بن يعقوب قد حضر لبلاد السودان في العهد الفاطمي –العبيدي-، و كان العنج آنذاك مسيطرين على بلاد النوبة، و هذا ما يشير إليه أحمد النبري في مخطوطته، و أن أجداد العبابسة كانوا علماء دين، و أهل علم، فأحيوا الأرض، بحسب مخطوطة النبري العباسي، على أننا لا نستطيع إيجاد صلة وثيقة بين الروايات الثلاثة، رواية النشري، و رواية النبري، و الرواية القائلة أن علماء من بني العباس قد حضروا للسودان في زمان مبكر، خصوصاً و أن أوجه الخلل التي ذكرناها سابقاً برواية النشري تثبت أن الفترة التاريخية للأحداث غير دقيقة، برغم تحديده لتواريخ و شخصيات عاشت تلك الفترة. كما أن رواية النبري تجعل العبابسة من نسل عيسى بن موسى بن محمد بن المتوكل على الله بن المعتصم بالله بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور، و رغم أن عمود النسب للعبابسة ما زال يخضع للتحقيق، إلا أن الثابت أن شرف الدين بن يعقوب لم يعاصر المهدي أو ابنه الرشيد أو حفيده المعتصم أو حفيده المتوكل، فبالتالي نعود لنؤكد أنه لم يثبت وجود عباسي دائم بأرض النوبة في تلك الفترة المبكرة من عهد الدولة العباسية.

و يبدو أن كتاب الصحايح التاريخية المذكور قد شحن بسير و أخبار ملوك الدفار البديرية العباسية، إلا أن السيد العجيمي قد اختصرها، و اقتصر على أسماء الملوك و خلفائهم بالدفار، و نقتبس من ذلك الآتي من فصل في عدد خلفائهم و بيان أدوارهم بدفار دنقلا بالسودان:


"اعلم أني كنت أردت أن أبين ظرف كل واحد منهم من أيام خلافته، و سنين ولايته، و مهمات الحوادث التي حلت في زمنه، من معاملاتهم الحسنة، و تعطفاتهم الكريمة، على ما ذكره الإمام النشري من كتاب الصحايح التاريخية، لكن منعني حسن الاقتصار مع الوفاء خشية من التطويل المانع للأداء.

فأقول: قال صاحب الصحايح التاريخية في العهود الدفارية: إن أول من بويع بالخلافة منهم و هو السيد أحمد الحجازي سنة اثنين و سبعين بعد الماية، و هو ابن السيد إبراهيم جعل بن السيد سعد بن السيد الفضل بن السيد عبد الله بن السيد العباس رضي الله تعالى عنه.
ثم بويع من بعده ولي عهده و خليفة محله ابنه السيد محمد.
ثم بويع من بعده ولي عهده و خليفة محله ابنه السيد سراقة.
ثم بويع من بعده ولي عهده و خليفة محله ابنه السيد سريان.
ثم بويع من بعده ولي عهده و خليفة محله ابنه السيد قضاعة.
ثم بويع من بعده ولي عهده و خليفة محله ابنه السيد ابن أبي الديس.
ثم بويع من بعده ولي عهده و خليفة سجادته ابنه السيد كردم الذي صح أنه ملك عموم السودان من غير مشاكل. و قد كانت ولايته له هو ابنه السيد سرار ماية و أربعين سنة. و هو رضي الله تعالى عنه الأب الذي تفرع منه آباؤنا العباسية، الذين لهم كمال الشرف الأعلى و مظهره الأجلى. و قد كان الأب الجامع لقبائل الجعليين، سواء كانوا من بديرية أو شايقية و جعليين، و كل من لم يتصل نسبه به فليس بجعلي. و المعتمد أن له من الذرية ثلاثة أولاد: السيد سرار، و السيد دولة، و السيد تمام، و كل منهم له ذرية تجدها في جامعنا الكبير إن شئت. و كان رضي الله تعالى عنه ذو قدم كبير في الولاية و معارف الشريعة و الحقيقة و اقتفاء آثار المصطفى صلى الله عليه و سلم من الأخلاق الكريمة و الوفاء بحقوق الرعية. و اعلم أن نسبة اسم الجعليين لهم من حيث أن جدهم السيد إبراهيم جعل كان رجلاً كريماً تضرب بكرمه الأمثال و تشد إليه قوارع الرحال من البلاد القاصية لنيل مكارمه، فيقول لهم: من أين؟ فيقولون من بني هاشم الذين هم بأطراف البلدان، فيقول لهم قد جعلناكم، لذلك سمي إبراهيم جعل ،و استمر بذريته هذا الاسم إلى الآن. ثم اعلم أنه قد اتفقت أهالي الحجاز بأن أعلم أهله جده حبر الأمة و أكرم أهالي الحجاز ابنه إبراهيم جعل.
ثم بويع من بعده، أي السيد كردم، ولي عهده و خليفة سجادته ابنه السيد سرار، و هو أكبر أولاده، و كان الأب الجامع لقبيلة السادة البديرية، و الشايقية، و له ثلاثة أولاد: السيد سامر، و السيد سمير، و السيد مسمار، و هم الذين تفرعت منهم سائر القبائل، فإن شئت فانظرها في مجموعنا الكبير.
ثم بويع من بعده ولي عهده و خليفة سجادته ابنه السيد سامر.
ثم بويع من بعده ولي عهده و خليفة سجادته ابنه السيد بدير. فكان له أربعة أولاد، ثلاثة منهم ذراريهم مفرقين بجهات الصعيد و خلافه، إلا أن ابنه الأصغر، السيد محمد دهمش، فإن ذراريه ببحر دنقلا. ثم بويع هو، أي السيد محمد دهمش، من بعد أبيه، و كان ولي عهده و خليفة سجادته، و قد سمي بهذا الاسم لقباً لأنه كان رضي الله تعالى عنه ذو جذبة رحمانية، و من شدة سكره يتراءى كأنه متلاش في حركاته، رضي الله تعالى عنه، و قد كان من أجل الأولياء حالاً و تصريفاً، فكان لوقتهم قطباً و لمددهم غوثاً. و قد جاء في كتاب الصحايح التاريخية من العهود الدفارية أنه تزوج ببنت السيد غلام الله الحسيني و ولد منها ولي عهده و خليفة سجادته الذي بويع من بعده و هو ابنه السيد صلاح الشهير بسالا، و هي كلمة رطانة معناها صلاح، كان رضي الله تعالى عنه من الأولياء الكبار، و قبره إذاً في القبة التي بقرب دنقلة يزار، و هو جد جميع السادة الدهمشية الذين هم بدنقلة و النازح القليل منهم إلى غيرها. قال صاحب اللامية:
ذو القبة الحمرا بدنقلة ترى *** فرد الجلالة من حوى لهواطل
جد الدهامشة التي هي أمهم *** بنت غلام الله الحسين بلا قلي
فحكى بها تاريخ دفار الذي *** في سيرة الأنساب أحكم قائل
ثم قال: و من لم يتصل نسبه من السادة الدهمشية به فليس بدهمشي.
ثم بويع من بعده ولي عهده و خليفة سجادته ابنه السيد محمد.
ثم بويع من بعده ولي عهده و خليفة سجادته ابنه الملك موسى الأكبر.
ثم بويع من بعده ولي عهده و خليفة سجادته ابنه السيد صلاح.
ثم بويع من بعده ولي عهده و خليفة سجادته ابنه السيد أرباب نصر الله.
ثم بويع من بعده ولي عهده و خليفة سجادته ابنه السيد أبيض.
ثم بويع من بعده ولي عهده و خليفة سجادته ابنه السيد حماد.
ثم بويع من بعده ولي عهده و خليفة سجادته ابنه السيد محمد الأمين.
ثم بويع من بعده ولي عهده و خليفة سجادته ابنه الملك موسى الأصغر، و على المعتمد أنه كان له من الذرية خمسة أولاد: السيد عايد، و السيد شاطر، و السيد سعد، و السيد أسد، و السيد حماد الملقب بضريس، فكان أكبر أولاده و نايبه في مملكته، فلقبه بهذا الإسم لأنه كان رضي الله تعالى عنه ذو شجاعة و كرم ظاهر و صلاح باهر. و في أيامه تلاشت أيام دولتهم العباسية رحمها الله تعالى، و ذلك في القرن التاسع، و ما يقي إلا نحاسها، و لم يزل إلى الآن بالقرن الرابع بعد الألف في بيت ابنه السيد حماد، الملقب بضريس، و هي موجودة الآن عند ذراريه."
ا.هـ.

و تعليقنا على ما ورد أعلاه نلخصه في النقاط التالية:


• ابتدأ صاحب الرواية بذكر نشأة دولة العباسيين في السودان و السيد أحمد بن إبراهيم جعل العباسي و الذي كان سنة 172هـ.

و السيد أحمد الذي لقبه بالحجازي في هذه الرواية، و في روايات أخرى لقبه باليماني، و وردت ترجمته بكتاب تاريخ و أصول العرب في السودان للفحل بن الفقيه الطاهر، فيقول عنه:

"وتولى بعد الأمير إبراهيم ابنه الأمير أحمد فكان خير خلف لخير سلف قاد القبائل من قحطان وعدنان. وكان آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر وحاضاً قومه على اتباع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم. و كانت مدة إقامته في الملك خمسة عشر سنة ودفن مع أبيه وجده بين بارا وخرسي."

ا.هـ.

و في تقديري أن مدة حكم الأمير أحمد بن إبراهيم الجعلي كانت 691 - 706هـ، أي ما يوافق 1292 – 1307م.

و كما ذكرنا فعمود نسبه المعتمد من قبل النسابين المحققين، هو أحمد بن إبراهيم الجعلي بن إدريس بن قيس بن يمن بن عدي بن قصاص بن كرب بن محمد الهاطل بن أحمد الياطل بن محمد ذي الكلاع بن سعد بن الفضل بن العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي.

• يوجد في عمود النسب المذكور أسماء مضافة، و أخرى مصحفة، فمثلاً سراقة هو مسروق، و سريان هو حرقان و هو لقب عبد الله بن مسروق بن أحمد.


• ما ذكره المؤلف عن السلطان حسن كردم، يعكس مقام هذا الجد الذي ينتسب إليه غالب الجعليين، أقول غالب لأنه اشتهر وجود أخ لهذا السلطان اسمه ترجم، و الملاحظ في الأمر أني قد وجدت تضارباً في بعض الروايات، إذ أن بعضها لا يذكر وجود ذرية لترجم، و أخرى تقول أن من لم يتصل نسبه بحسن كردم فهو ليس بجعلي، فبالتالي لم تعد ذرية ترجم -التراجمة- من ضمن الجعليين، و هذا ما أشار إليه المؤلف أيضاً في نقلنا لكلامه، و أذكر بهذه المناسبة مثلاً وجدته لدى الجوامعة الجعليين بكردفان، إذ يقال: الما لمه في كردم وقع اتهردم... أي من لم يتصل نسبه بكردم فقد سقط نسبه للجعليين، كما يوحي معنى ذلك المثل اللطيف.


و أحب تذكيركم بمقالة سابقة، و هي "السلطان حسن كردم،،، السلطان الجد أم الأسطورة.."

http://www.darg3l.com/showthread.php?t=8935

• و أما دولة و تمام المذكوران على أنهما من ولد السلطان حسن، فإن التحقيق لا يزال جارياً في أمرهما، و يمكنكم متابعة هذا الموضوع " دعوة للتحقيق: هل هؤلاء جعليون؟" على الرابط:

http://www.darg3l.com/showthread.php?t=19971

• أما مسألة أن إبراهيم جعل كان بأرض الحجاز، فالملاحظ أن هناك روايات تقول أن حسن كردم كذلك كان بأرض الحجاز و الأرياف، و أما ما ذكره الفحل بناء على مخطوطاته التي اعتمد عليها في تاريخه، فقد ذكر بأن إدريس بن قيس قدم من بغداد. و المسألة هنا بحاجة لتحقيق أكثر.


• يقول المؤلف أن لسرار ثلاثة أولاد هم سامر و سمير و مسمار، و الحقيقة أن الأول هو سمرة، بحسب ما اتفق عليه أغلب النسابين، و الثاني سُمَيرة –تصغير سمرة-، و توجد روايات أخرى تذكره بسمير، و الله أعلم.


• أما فيما يتعلق بأولاد بدير الأربعة، و أنهم تفرقوا بجهات الصعيد، فإن هذه إشارة واضحة أن لهؤلاء صلة بالصعيد، و كردفان على وجه الخصوص، غير أن السيد محمد دهمش و أبناءه قد استوطنوا بالدفار بشمال السودان، و الملاحظ كذلك أن أول من حدد المؤلف موضع دفنه هو السيد صلاح بن محمد دهمش، و بالفعل فقد علمت أن محمد دهمش جد البديرية الدهمشية مدفون في تلك المنطقة الأثرية من منطقة دنقلة. إلا أن أجداد السيد صلاح غير مذكور موضع دفنهم، فلعل ذلك يرجع إلى أنهم لم يقطنوا تلك الأرجاء أصلاً، و أنا أعتقد بأن أول من استوطن تلك البلاد الشمالية و تحديداً الدفار، فهو السيد محمد دهمش بن بدير بن سمرة بن سرار بن السلطان حسن كردم العباسي، و كان أجداده بجهات كردفان و ضفاف النيل الأبيض، و المعلوم أن آثار أجداد الجعليين لا تزال باقية في تلك المناطق، مثل، بئر سرار بشمال كردفان، و جبل شويح بالنيل الأبيض، و هو عبد الرحمن الملقب بشويح أو أبو شيح بن سمرة جد الشويحات، و هذا أخ لبدير بن سمرة، و مقابر أمراء الجعليين بالعرشكول تؤكد أنهم كانوا بتلك المنطقة قبل وجودهم شمالاً.

ملاحظة أخرى أن محمد دهمش بن بدير بن سمرة بن سرار يقابل في الطبقة ابن عمه حميدان بن صبح بن مسمار بن سرار، و المعروف أن سلطان الأمير حميدان قد امتد حتى بلغ منطقة أرقو بأرض المحس، و نعلم أن الحاكماب ملوك أرقو هم من ذرية الأمير حاكم بن سلمة بن سعد الفريد بن مسمار بن سرار، و هو الأمير الذي سيره الأمير حميدان من ضفاف النيل الأبيض نحو تلك الأرجاء لفتحها، و ذلك مدون بتاريخ الفحل، فإذن لا نستبعد أن يكون الأمير محمد دهمش أحد المشاركين في ذلك الجيش الذي اتجه شمالاً إن لم يكن من قواده، و بقي هو عقبه من بعده في تلك المنطقة، و كان كل ذلك قد حدث قبل قيام دولة الفونج عام 910هـ الموافق 1504م، و أقدر أن حكم الأمير حميدان كان في الفترة 877 - 907هـ الموافق 1473 - 1502م، فربما عاش السيد محمد دهمش خلال تلك الفترة، و الله أعلم.

• يذكر المؤلف بأن السيد حماد ضريس كان آخر ملك من ملوك الدفار البديرية، و به اختتم أمر الدولة العباسية هناك، و كان ذلك في القرن التاسع الهجري.

و أظن أن المقصود القرن العاشر الهجري و ليس التاسع، و المعروف أن دولة الفونج قد تأسست في القرن العاشر (910هـ)، و توسعت على حساب بقية الممالك، بما في ذلك مملكة الدفار، إلا أننا لا نملك تفاصيل سقوط تلك المملكة، و هل كان السيد حماد ضريس بالفعل على رأس تلك المملكة؟ على أننا نعلم أن الملك جاويش الشايقي قد غزا مملكة الدفار كما ذكرنا في القرن الثامن عشر الميلادي، فهل كان حماد ضريس معاصراً لزمان صعود نجم الفونج و ضمهم للممالك المجاورة لهم بداية القرن العاشر الهجري، أم أنه عاصر زمن غزو الملك جاويش الأول الشايقي لمملكة الدفار؟ هذا سؤال مهم نحتاج لمعاونة الإخوة المهتمين، و خصوصاً البديرية أصحاب الشأن.

ثم يواصل السيد العجيمي نقله عن تاريخ مملكة الدفار قائلاً:


"ثم في آخر التاسع، بعد أن بقيت فيه عشر سنين، تداخلت دولة الأمويين الدولة السنارية التي أولها السلطان عمارة، و كانت ملوكها خمسة عشر ملكاً، و ما زالت حتى دخلت دولة الهمج التي أولها ناصر ولد محمد و فيها خمسة ملوك، و لكني لم يسعني أن أذكر قسط كل ملك منهم في أيام ولايته خشية التطويل، و المقصود حاصل. و لم تزل إلى أن جاءت الأتراك، و ذلك في سنة ألف و مايتين و ثلاثين سنة من الهجرة النبوي. ثم عاد الأمر لخلف العباسيين و رؤسائهم. أما ترى الملوك الجعليين و تواترهم و ملوك البديرية و الشايقية ملكاً بعد ملك، و لكل منهم له رايات و نحاسات موجودة إلى زماننا هذا بالقرن الرابع عشر، فهذا أكبر دلالة تدل على سابق أمرهم و ولايتهم السودان، رضي الله عنهم..."


و لعلنا وضحنا بعض النقاط فيما يخص دخول قيام دولة الفونج، و توسعها على حساب الممالك الأخرى، و الملاحظ أن المؤلف قد ذكر دولة الأمويين، فهؤلاء هم ملوك الفونج، و الذين اشتهروا بأنهم أمويون لآبائهم.

أما الهمج فالصحيح أن أولهم الوزير الفذ محمد أبولكيلك، و هم في الأصل ينتسبون للعوضية الجعليين العباسيين، و قد تسلط أولاد محمد أبو لكيلك من بعده على سلطان الفونج، فصار بيدهم الحل و العقد، إلى آخر واحد منهم و هو محمد بن عدلان بن محمد أبو لكيلك الذي قتل عشية دخول جيش محمد علي باشا الغازي لأرض السودان.

هناك تعليقان (2):

  1. اهلا بك اخ حازم...اسمي احمد من برطانيا...الآن ادرس تاريخ سوداني و احتاج بمعلومات عن البديرية الدهمشية...هل يمكن ان تساعدني حازم؟
    Skype: abd36yas1n
    Email: ayassin01@qub.ac.uk

    اتمنى ان اسمع منك

    احمد

    ردحذف
  2. اللهم صل وسلم وبارك على كعبة الرحمه الربانية جامع حقائق أسرار العبودية سيدي رسول الله وعلى آله وصحبه بقدر كمال ذاته الأحمدية

    ردحذف